الإمام المهدي والخلاص العالمي
صفحة 1 من اصل 1
الإمام المهدي والخلاص العالمي
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرج قائم آل محمد
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً).(1)
هذه الآية الكريمة من آيات الملاحم في القرآن الكريم، وقد تكفلت بنشر السلام العالمي على وجه الأرض.
وقد توزع المفسرون والذين سلطوا الأضواء على أهدافها ومقاصدها، توزعوا على ثلاث مدارس:
المدرسة الأولى: ذهبت إلى أن الآية الكريمة نزلت بالرواد الأوائل للإسلام، والرواد الأوائل يقصد بهم صحابة النبي صلى الله عليه وآله، يعني الطلائع الإسلامية المؤمنة التي التفت بصدق وحرارة حول رسول الله صلى الله عليه وآله وآمنت بالإسلام، وانصهرت في بوتقة الإسلام، وتفاعلت تفاعلاً حقيقياً مع العقيدة حتى تحولت إلى إسلام متحرك يمشي على وجه الأرض، وتحملت من أجل ذلك صنوف الأذى وفنون التعذيب وألوان الاضطهاد من ذلك المجتمع المتخلف، هؤلاء وعدهم الله بالنصر وحقق الله لهم ذلك الوعد.
فهذه المدرسة تذهب إلى أن هذه الآية الكريمة نزلت في الطلائع الإسلامية الأولى.(2)
المدرسة الثانية: تقول أن لسان الآية لسان عام، والخطاب فيها خطاب شامل لكل الأمة الإسلامية، فهي تنطبق على المجتمع الإسلامي وعلى الأمة الإسلامية بكل فصائلها وبكل شرائحها.
إن الله عز وجل جعل هذه الأمة _ وهي المحور وهي القطب للمجتمع البشري بأجمعه _ جعل الأمة الإسلامية هي الأمة القيادية التي تتولى الإشراف على المسيرة الإنسانية، ولذلك القرآن الكريم يقول:
(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(3)
يعني أمة محورية، يعني هي المحور الذي تنتظم حوله كافة الشرائح الإنسانية، فشرائح المجتمع البشري تنتظم بأجمعها من وراء الأمة الإسلامية التي تتحمل مسؤولية القيادة، وقد ضمن القرآن الكريم السلام العالمي لهذه الأمة
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً).(4)
المدرسة الثالثة: والتي سيكون عليها محور الحديث، وهي التي تذهب إلى قيادة الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه فتقول: إن الآية الكريمة تستهدف خروج الإمام المهدي.(5)
وفي الواقع إن قضية الإمام المهدي من القضايا التي يكثر حولها الجدل والتساؤل، وفي هذه الفترة المحددة نحاول أن نتعرف أو نعطي نظرة خاطفة وسريعة، وبنفس الوقت صورة جلية وواضحة عن المعالم الرئيسية لقضية الإمام المهدي المنتظر، نتعرف على خطوطها العريضة ونلقي نظرة فاحصة من الناحية التأريخية والناحية العقائدية على مسألة الإمام المهدي عجل الله فرجه.
طبعاً نحن الطائفة الإمامية نرسل هذه القضية إرسال المسلمات.
قبل كل شيء، وقبل الخوض في الروايات والأحاديث والإشارة إلى أسانيدها التي تتعلق بقضية الإمام المهدي لابد من القول بأنّ قضية الإمام المهدي مسألة عالمية قبل أن تكون مسألة إسلامية، أي أنّ مجتمعات الدنيا وشعوب الأرض، وكافة الشعوب والأمم والمجتمعات التي تعيش على سطح الكرة الأرضية كلها تؤمن بخروج المنقذ المصلح المحرر، الذي سيخرج في آخر الدنيا لتغيير مجرى حياة البشر لنشر العدالة الاجتماعية على وجه الأرض. فالمجتمعات العالمية _ مجتمعات الدنيا _ بكل فصائلها، بكل عقائدها، بكل قومياتها، بكل اتجاهاتها وأديانها كلها تؤمن وترى ضرورة خروج الإنسان المحرر المنقذ المصلح الذي سيخرج في آخر الدنيا.
فاليهود يؤمنون بخروج الإنسان المصلح، والمسيحيون يؤمنون بخروج الإنسان المنقذ والمحرر، حتى المجوس يعتقدون أنّه سيخرج رجل من أحفاد زرادشت هو الذي ينتشل الإنسانية من دمارها وهلاكها وويلاتها ومآسيها ويجعلها تعيش حياة حرة كريمة.
بل أكثر من هذا لو تركنا الأديان السماوية نرى حتى الماركسيين والكفار والملحدين يؤكدون على هذه الحقيقة، بأن الدنيا لابد لها من أن تنتهي في يوم من الأيام إلى شخصية قيادية تنشر ألوية الأمن والسلام على وجه الأرض.
هذه المجتمعات العالمية والأديان العالمية والعقائد العالمية سواء كانت سماوية أم أرضية، كلها تصب في هذا الجدول لتتحرك في هذا الاتجاه.
قد يسأل سائل يقول: إذن لماذا حوصرت هذه القضية وجعلت من مختصات الفكر الشيعي؟
هذا خطأ فاحش تلاعبت به السياسة التأريخية، تأريخياً سياسة الدولة الأموية والدولة العباسية والصراع المذهبي العنيف الذي حصل تأريخياً الصراع الذي كان قائماً على قدم وساق، الصراع الذي أريقت فيه الدماء، هو الذي حصر وحجّم قضية الإمام المهدي المنتظر في الإطار المذهبي الضيق، في الإطار الطائفي، وإلاّ فهي قضية إسلامية عامة كما سيمر علينا، قضية تسالمت عليها كافة المذاهب الإسلامية.
كل المذاهب الإسلامية تروي وترى أن الإمام المهدي المنتظر بشّر به رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ألف وأربعمائة سنة ، بما في هؤلاء الرواة ابن تيمية الذي يعتبر المعارض التقليدي للفكر الإمامي والروايات الإمامية، مع ذلك ابن تيمية يؤيد ويؤكد الروايات في الإمام المهدي، مستنداً إلى مسند أحمد بن حنبل وإلى صحيح الترمذي اللذين ذكرا روايات حول الإمام المهدي المنتظر، ويؤيدها ويؤمن بها ويدعو إليها. (6)
يتبع
رد: الإمام المهدي والخلاص العالمي
أما إذا تسألني لماذا حُجّمت قضية الإمام المهدي المنتظر؟
لأنها تجعل عند الإنسان مربي، عند الإنسان المؤمن روح الوثبة والتطلع إلى الحياة الفضلى، إلى الحياة العادلة فتراه يدعو الله بهذا الدعاء: (اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة)، طبعاً هذا منطق لا يروق للأمويين، هذا منطق لا يروق لبني العباس الذين يريدون من الناس أن يعيشوا الخمول والكسل والخنوع والتسكع والذل.
وهكذا كل نمط من السلوك التربوي في مدرسة أهل البيت مرفوض عندهم، تربية أهل البيت الذين غلغلوا في أعماقنا وفي ضمائرنا وفي تربيتنا الفكرَ الثوري المتوثب الذي يقف بوجه الباطل، موقف التحدي وموقف الصراحة والجرأة.
لذلك حوصرت قضية الإمام المهدي هذه المحاصرة، وقُسّمت وحُجّمت هذا التحجيم على أنها من مختصات الفكر الشيعي، والحال أنها إسلامية عامة لا تخصّص للشيعة فيها أبداً.
نتعرف على بعض الشؤون والقضايا والروايات التي تتعلق بهذه المسألة بعد التعرف على البطاقة التأريخية _ إن صح التعبير _ للإمام المهدي.
الإمام محمد بن الحسن العسكري هو الإمام الثاني عشر من أئمة وأعلام مدرسة أهل البيت، ولد بسامراء في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 255 من الهجرة، ولما ولد الإمام سلام الله عليه وبلغ من العمر خمس سنين أو ست قبض أبوه الإمام الحسن العسكري ولحق بالرفيق الأعلى.
تحركت السلطة العباسية وكبست دار الإمام العسكري لإلقاء القبض على الإمام، فغيّبه الله عز وجل سبعين عاماً، التي هي الغيبة الصغرى.
خلال هذه الفترة كان الإمام يتصل بشيعته ومواليه من خلال السفراء والنواب الأربعة، إلى أن توفي السفير الرابع، ترك الإمام قاعدة عامة عندما سئل: لمن الرجوع بعدك يابن رسول الله؟ فحدد الإمام الشروط قال:
«ارجعوا إلى رواة حديثنا»(7) من هم؟ قال: «فأما من كان من الفقهاء حافظاً لدينه صائناً لنفسه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه». (
ماذا نستشف من هذه الشروط؟ طردياً وعكسياً؟
هذه الشروط التي من المفروض أن تتواجد في الفقيه هي: حفظ الدين، وصيانة النفس من الانحراف، ومخالفة الهوى، وطاعة الله عز وجل، وهذه كلها تتلخص بالتقوى، والتقوى معناها الانضباط أمام الله تعالى، أي أن الإنسان يكون منضبطاً في كل تصرفاته وسلوكه وأعماله أمام الله عز وجل، ويشعر بأن رقابة الله مسلطة عليه في الصغيرة والكبيرة، في كل حركة يتحركها، في كل كلمة يتلفظ بها، في كل حرف يسطره على الورق، في كل شيء، أنّ رقابة الله عز وجل تنظر إليه، هذه الملكة التي من المفروض أن تتوفر بالشخصية القيادية التي يرجع المجتمع إليها.
الجانب العكسي ماهو؟ عندما يقول الإمام المهدي: أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه، إذن نستنج من مفهوم هذا الحديث أنه يوجد قسم من الفقهاء غير صائن لنفسه ولا حافظ لدينه، فقيه لكن ليس له دين، عنده علم وعنده فقه لكن ليس عنده ضوابط دينية، والمفروض أن العلم والدين توأمان لا يمكن الفصل بينهما، العلم إذا افتقر إلى العنصر الثاني يتحول إلى مأساة وكارثة على المجتمع، لذلك تلاحظ أن العلماء الموجودين في مختلف الحقول _ وليس شرطاً الحقل الديني _ فمثلاً عالم الذرة يمكن في كبسة زر أن يحرق الدنيا وما فيها، فلو كانت عنده الضوابط الدينية والعنصر الأخلاقي طبعاً يتورع ويقف عند الحدود دون فناء الإنسانية ودون تدمير البشرية.
كثير من القضايا الخاضعة للعلم تعود على المجتمع بالضرر، تعود على المجتمع بالكوارث عندما تفتقد إلى الضابط الديني وتفتقد إلى عنصر الإيمان.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفقيه، فليكن مشحوناً بالعلم لكن إذا لم يكن عنده دين وليس عنده تقوى وورع، هذا يتحول فعلاً إلى كارثة على المجتمع، ولذلك الإمام المهدي سلام الله عليه يقول: «أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه...».
طبيعة الحياة أن الجاهل يرجع إلى العالم في كافة أبعاد المعرفة، وفي كافة حقول الحياة، كل متطلبات الدنيا، كل إنسان يجهل أي علم من العلوم يرجع إلى ذوي الاختصاص، يستفيد من خبرتهم، يستفيد من تخصصاتهم، يستفيد من علومهم..كذلك العلوم الدينية، ربطنا الإسلام بالواقع عن طريق أهل البيت بهذه الشخصيات التي هي المنابع الأصيلة للتشريع الإسلامي.
يتبع
رد: الإمام المهدي والخلاص العالمي
مصادر فكرة المهدي:
من بعد هذه اللمحة ابتدأت الغيبة الكبرى إلى أن يأذن الله عز وجل للإمام سلام الله عليه، يؤشر بعض الباحثين الاجتماعيين وخصوصاً بعض المستشرقين حول قضية الإمام المهدي المنتظر يقولون: إن منشأ الانتزاع لهذه القضية هو الحرمان والقهر، فإنّ بعض الشعوب وبعض المجتمعات تعيش حالة من الحرمان والقهر والاضطهاد واغتصاب الحقوق والسحق والإبادة، فتولدت عندها فكرة التطلع إلى المنقذ الذي سوف يعيد لها الكرامة المسلوبة والرغيف المفقود والحق المهدور، وتكون عندها التطلع إلى وجود الإنسان المنقذ والمصلح، نتيجة لحالة الحرمان التي عاشوها.
لذلك الشيعة عاشوا تأريخياً حالة من القهر وحالة من التمرد وحالة من الأذى والاضطهاد والتعسف، مما عمق عندهم الشعور بالألم والشعور بالمأساة، وتفتحت عندهم هذه الفكرة.
هؤلاء المتشرقون هكذا يحللون، طبعاً هذا ليس شيئاً غريباً على تصورنا وعلى أفهامنا، لأننا نعرف ونؤمن أن الشعوب المسحوقة تتطلع إلى الإنسان المنقذ والمخلص وهذا صحيح، لكن المصادر لوجود الإمام المهدي المنتظر والمنابع الأساسية لهذه القضية العقائدية المهمة في تأريخنا وفي عقيدتنا وفي وجودنا وفي مستقبلنا ليست هذه أسبابها، التي هي السحق والتدمير التأريخي الذي عاشته هذه الطائفة.
وإنما عندنا مصادر قضية الإمام المهدي المنتظر هي المنابع الأصيلة للإسلام المتمثلة بالقرآن والسنة الشريفة المقدسة.
القرآن الكريم:
هنالك حشد هائل من الآيات القرآنية جاء وفُسّر، فسّره أفذاذ العلماء بأنه يتعلق بالإمام المهدي سلام الله عليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) الإمام ومن يلتف حول الإمام (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).(9)
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).(10)
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).(11)
هذه نماذج من الآيات التي نزلت، وذهب أكثر من مفسر من مفسري المسلمين إلى ارتباطها بقضية الإمام المنتظر.
هذا منبع وهذا مصدر من مصادر فكرة وجودالإمام المهدي.
يتبع
رد: الإمام المهدي والخلاص العالمي
السنّة النبوية:
لنلاحظ السنة النبوية المقدسة ماذا تقول؟
السنة النبوية الشريفة تقول:
لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا آل محمد صلى الله عليه وآله. (12)
والحديث الثاني:
(سيخرج رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً).(13)
هذا لم يتحقق عبر التأريخ، فإنه لم يحصل أنّ الأرض كلها ملئت بالقسط والعدل، هذا كلام لم يتحقق تأريخياً حتى في الصدر الإسلامي الأول، الأرض فيها قسم جور وقسم عدل، أمّا أنّ كل الكرة الأرضية تمتلئ بالعدالة الاجتماعية فهذا أمر مجهول، وهو من الغيبيات التي لابد لها أن تتحقق في آخر الدنيا.
هذه الروايات وهذه الأحاديث ترويها كافة الكتب الإسلامية بما فيها الصحاح الإسلامية، بما فيها الصحاح الستة إلاّ البخاري ومسلم.
البخاري ومسلم فقط يتخلفون عن رواية هذه الأحاديث بصراحة، إلا أنهما أشارا إليها فمثلاً يقولون: (وإمامكم يومئذ منكم)(14)، عند خروج الدجال، يعني لا يحددونه.
فالاتفاق حاصل، لكن الاختلاف أن المذاهب الإسلامية الشقيقة تذهب إلى أن المهدي ربما يولد في المستقبل، ونحن نقول: ولد، ونحدد شخصيته بمحمد بن الحسن العسكري، الإمام الثاني عشر المولود سنة 255 من الهجرة في سامراء بالضبط.
نحن عندنا تحديد لشخصية الإمام، والمذاهب الإسلامية تقول بأنّه مجهول وربما سيولد مستقبلاً. هذه هي نقطة الخلاف.
البخاري لا يروي هذه الأحاديث التي تتعلق بمسألة الإمام المهدي، مع العلم أن الصحاح الستة كلها تروي قضية الإمام المهدي، والأحاديث عن الإمام المهدي في الصحاح الستة الأخرى غير البخاري، وهذا يعني أن ذلك ليس شرطاً، لأن المسلمين يعملون بكثير من الأحكام الدينية وكثير من قضايا العقيدة ويمارسونها وهي غير مذكورة في البخاري، بمعنى أنّه ليس كل حكم ديني ولا كل قضية من قضايا العقيدة يجب أن تكون في البخاري، وإلا فتلك العقيدة تكون باطلة، لا توجد عند المسلمين هذه القاعدة وكل المذاهب الإسلامية ليس عندهم هذه القاعدة.
مبدئياً أقول لك: لا تتصور أننا نريد أن نتهجم على البخاري، بل بالعكس البخاري نعتبره صاحب كتاب مقدس ونحترمه غاية الاحترام، لأن البخاري روى أحاديث النبي صلى الله عليه وآله، لكن نحن عندنا ملاحظة واحدة، الملاحظة هي أنه ليس كل ما ورد عند البخاري هو صحيح، وليس فقط البخاري حتى الكافي للكليني، وهذا من كتبنا، وهو يعتبر مقابل البخاري عند أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى.
نحن عندنا قاعدة، وهي: «لا يوجد كتاب خالد إلا كتاب الله عز وجل القرآن الكريم»
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(15)
كتاب الله محفوظ من الزيادة والنقيصة ومن الدس، أما الكتب الأخرى فيمكن أن يأتي عملاء _ مثلاًُ _ أو يأتي يهود يدسون في رواياتها الكثير.
ومن الذين اختلقوا الروايات ودسوها في تأريخنا الإسلامي كعب الأحبار ووهب بن منبه وسليمان بن مقاتل، هؤلاء كلهم يهود ودخلوا في الإسلام وأفكارهم اليهودية تعشعش في أدمغتهم، فدسوا في تأريخنا الكثير من الألغام اليهودية، فنحن لسنا مسؤولين.
كما أنّ عندنا قاعدة عن الأئمة:
«ما وردكم عنا اعرضوه على كتاب الله وسنة رسوله، فما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما خالف الكتاب والسنة فاضربوا به عرض الحائط»(16)
القاعدة المنطقية سواء البخاري أو الكليني أو أي كتاب من الكتب الإسلامية، عندنا مقياس وعندنا ميزان وعندنا مختبر، مختبر تحليلي، نأتي بالرواية نحللها في هذا المختبر ونرى النتيجة هي أنها رواية نظيفة أم رواية مزورة.
لابد من التحليل والتأكد من الروايات، لأن هذا أمر يتعلق بأهم شيء عند الإنسان، وهو جانب العقيدة.
ثم لا توجد قاعدة عند المسلمين أن البخاري يروي كل الروايات الإسلامية، فكثير من الروايات تستقى من مصادر أخرى، والحمد لله تأريخنا غني بكتب الأحاديث وبكتب الروايات، وعندنا ثروة هائلة وثروة كبيرة من المؤرخين المسلمين الآخرين بما فيهم أصحاب الصحاح الستة. فالمسلمون يستقون رواياتهم وأحاديثهم وأحكامهم وعقائدهم عن طريق كتب ومصادر ومنابع متعددة، ليس فقط البخاري.
ثم إنّا غير ملزمين بالإيمان بكل ما ورد في البخاري، وليس عندنا قاعدة فيه، لأنه كثير من الروايات واردة في صحيح البخاري ولا يمكن أن يؤمن بها إنسان مسلم، لأنها تصطدم اصطداماً مباشراً مع الخطوط العريضة للتشريع الإسلامي، فمثلاً توجد روايات تقول بالتجسيم، ويكفي مثالاً لذلك الرواية التي تقول: إن الله عز وجل في يوم القيامة يأتي بالعصاة والمذنبين فيدخلهم إلى جهنم وجبات، ويسأل جهنم: هل امتلأت تجيب وتقول له: هل من مزيد؟، ويأتي بوجبة أخرى ويقول: هل امتلأت؟ تقول: هل من مزيد؟ وكلما يضع فيها مجموعة من العصاة والمجرمين والمتمردين ويسألها: هل امتلأت؟ تقول: هل من مزيد؟ حينئذ ينزل الله فيمد رجله في جهنم حتى تمتلئ وتقول: قطني قطني حسبي لقد امتلأت. هذه رواية موجودة في البخاري. (17)
أولاً: ما هو الداعي لاشتراط امتلاء جهنم وعدم ترك جزء منها فارغاً، بحيث يجعل الباري رجله فيها ليملأها؟ ألا يكفي امتلاء نصفها مثلاً؟ ونحن نتمنى فعلاً أن جهنم لا تمتلئ، ويكون الناس كلهم اتقياءً وأخياراً حتى يذهبوا إلى الجنة ولا يذهبوا إلى جهنم.
ثانياً: إن تصوير أن الله عز وجل عنده رجل، وإذا كان عنده رجل يعني عنده يد، وإذا عنده يد يعني عنده رأس، إذا عنده رأس وعنده بطن عنده جسم، إذا عنده جسم يعني احتل حيزاً من الفراغ، وإذا احتل حيزاً من الفراغ معناه فرغ منه المكان الآخر والله لا يخلو منه مكان، ثم إن الله يقول في القرآن (لا تُدْرِكُهُ الأَْبْصارُ)(18)
والجسم تدركه الأبصار.
يتبع
رد: الإمام المهدي والخلاص العالمي
فتلاحظ أن هذه رواية تصطدم وتتنافى مع أبسط المبادئ والخطوط العريضة للتشريع الإسلامي.
أو ليس البخاري هو الذي يروي بأن ملك الموت نزل على نبي الله موسى فالتفت إليه نبي الله موسى قال له: جئتني زائراً أم قابضاً؟ قال: لا إني ليس لي زيارة خصوصية، إني ملك موكل بقبض الأرواح، إني أتيت لأقبض روحك، يقول البخاري: فرفع يده ولطم ملك الموت على وجهه لطمة رجع إلى ربه وهو أعور. (19)
وهذا يعني مهزلة من المهازل موجودة في كتاب مقدس وفي كتاب ضخم من كتب المسلمين، نحن نقول: يجب أن تُنقى كتب المسلمين من هكذا روايات.
وألفت نظرك إلى أن البخاري رجل مات وكتابه كان مسودةً لم يبيض، ومن بعد مماته بُيّض هذا الكتاب، فلعل كثيراً من الدس وكثيراً من الروايات الإسرائيلية دخلت هذا الكتاب.
والبخاري الذي يروي عن مروان بن الحكم ويروي عن عمران بن حطان، عمران بن حطان الذي يقول:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا!!
التقي يعني به عبد الرحمن بن ملجم المرادي لما ضرب علي بن أبي طالب، هذا يقول: تقرب إلى الله بضربة علي بن أبي طالب وبقتل علي بن أبي طالب، أي أنّ عبد الرحمن بن ملجم كان يتقرب إلى الله. فالبخاري يجعل هذا الرجل مصدراً من مصادر الرواية في صحيحه، وفي الوقت نفسه يستشكل ويقف موقفاً متشنجاً من الحسن والحسين عليهما السلام ومن الإمام الصادق ومن بيت النبوة ولا يروي عنهم رواية واحدة.
هذا البخاري إمام الفئه
صحيحه واحتج بالمرجئه
حيرة أرباب النهى ملجئه
مغذة في السير أو مبطئه
لم يقترف في عمره سيئه
بفضله الآي أتت منبئه
تعدل من مثل البخاري مئه؟
قضية أشبه بالمرزئة
بالصادق الصديق ما احتج في
مشكلة ذات عوار إلى
وحق بيت يممته الورى
إن الإمام الصادق المجتبى
أجلّ من في عصره رتبة
قلامة من ظفر إبهامه
نحن لا نتجنى على أحد، مع احترامنا وتقديرنا، ولا نهاجم أي أحد، نعتز بهؤلاء ولكن نناقشهم مناقشة علمية، ونضع أصابعنا على الرقم العلمي والتأريخي وعلى المصدر وعلى المنبع الأصيل، ومن كان عنده رد علمي ومنطقي بلا تهجم فليرد، فإننا مستعدون للإجابة وللإرشاد إلى عشرات المصادر التي تثبت قضية الإمام من المنابع الأصيلة، وقد ألف علماؤنا عشرات الكتب وجمعوا المصادر الموثوقة المتعددة المرقمة المستقاة من أمهات المصادر التأريخية في إثبات قضية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.
إذن من بعد هذه الجولة يتضح لنا أن المنابع الأساسية ليست منابع اجتماعية وليست حالة السحق والحرمان في قضية الإمام المهدي، وإنما القرآن والسنة، القرآن الكريم بآياته والسنة النبوية الشريفة بأحاديثها هي التي أثبتت قضية الإمام المهدي المنتظر.
من بعد هذا لنلاحظ عندنا (خرافة) أخرى، عندنا أسطورة، وهي أسطورة السرداب، فإنهم يهرّجون بها علينا دائماً، إن الشيعة يقفون عند الغروب بباب السرداب في سامراء يلبسون الأكفان ويضعون لهم بغلة بباب السرداب ويشهرون السيوف ترقباً وانتظاراً لخروج صاحب الزمان من السرداب.
يقول شاعرهم:
صيرتموه بزعمكم إنسانا
ثلثتم العنقاء والغيلانا(20)
أما آن للسرداب أن يلد الذي
فعلى عقولكم العفا إذ أنكم
على عقولنا العفى لأننا نتطلع إلى الحق، لأننا نرفض الباطل، لأننا نتصدى للمنكر..وأنتم عقولكم هي العقول العبقرية الخانعة الذليلة الخاضعة المتسكعة على أعتاب الجلادين، فعلى عقولكم العفى.
ما هي مسألة السرداب؟ قد تتعرض وقد تُسأل: أنكم تقولون إن البغلة يصعد عليها أو يركب عليها الإمام المهدي إذا خرج والسيوف بأيديكم تقاتلون بين يديه إذا خرج!!
فنحن نقول:
أوّلاً: لا أدري لماذا القول بالسيوف! ونحن نعلم بأن عقيدتنا متطوّرة ولا مانع فيها من أن يحارب الإمام المهدي (ع) بالمدفع والصاروخ وأشباههما. أمّا التعبير بالسيف في الأحاديث والروايات فهو ليس أكثر من كناية عن القوّة والسلاح، وإلاّ فليس من المعقول أن تقابل الدبابة والطائرة والصاروخ بالرمح والسيف.
يتبع
رد: الإمام المهدي والخلاص العالمي
فلا داعي لهذه الرجعية في التفكير، ولا يعبّر السيف في الروايات إلاّ عن القوة كما قال الشاعر:
السيف أصدق أنباءً من الكتب في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب
فالمقصود به منطق القوّة والاقتدار، لا المعنى الحقيقي للسيف.
وثانياً: إنّ الشيعة الآن يعيشون على الأرض وهذه سامراء موجودة، نحن الآن لو أجرينا إحصائية مَنْ مِن الشيعة الإمامية يقف في باب السرداب ينتظر خروج الإمام المهدي؟!
يا أخي كل ما في الأمر أن البيوت العراقية قديماً وحديثاً _ إلى اليوم _ يبنون فيها سراديب وقاية من لهب الشمس المحرقة، فالناس _ خصوصاً سابقاً _ يعيشون في السرداب أثناء الجو الحار وقاية من حرارة الجو، ينزلون إلى السرداب، والذي يظهر أن هذا بيت الإمام العسكري كان فيه سرداب وأن الإمام سلام الله عليه كان يتعبد في هذا السرداب.
فالشيعة يأتون يتبركون بهذا المكان باعتباره كان محراباً للإمام سلام الله عليه، ثلاثة من الأئمة كانوا يتعبدون بهذا السرداب: الإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي، لأن الإمام الهادي لما جاء إلى سامراء كان عمر الإمام الحسن العسكري في سن الطفولة ونشأ وترعرع هناك، فكان يتعبد في هذا السرداب، الإمام المهدي كذلك، وهذا من تراثهم ومن آثارهم.
فهو محراب من محاريب عبادتهم نتبرك به، ليس أكثر من هذا وإلا نحن ليس عندنا أن الإمام سيخرج من السرداب، هذه أسطورة وخرافة اختلقها خصومنا وخصوم الإمام المهدي، وإلاّ فإن كل الروايات تجمع على أن خروج الإمام سلام الله عليه سيكون من مكة المعظمة. (21)
سيخرج الإمام من مكة إذا أذن الله له بالخروج ويخرج ويلتف حوله أصحابه وعددهم كعدد أصحاب بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر.
وقد يسأل أحد: لماذا هذا العدد؟ يعني هذه الدنيا ليس فيها إلا هذا العدد من أنصار المهدي؟
فنقول: إن هؤلاء هم الشخصيات القيادية، أي كبار القادة والعسكريين الذين يتوزعون على الدنيا، والذين ينشرون العدالة الاجتماعية في الدنيا، أما أنصار الإمام المهدي فكلنا إن شاء الله أنصار المهدي، الدنيا كلها ستنصر الإمام المهدي، يخرج الإمام من مكة ويلتف حوله أصحابه ثم يأتي إلى المدينة لزيارة قبر جده رسول الله ويطوف حول القبر الشريف، من بعد ذلك يأتي إلى البقيع لزيارة قبر جدته الزهراء، بناءً على أن الزهراء دفنت في البقيع يأتي إلى البقيع ليزور قبر فاطمة وقبور أجداده المدفونين هناك.
بعد ذلك يأتي الإمام المهدي إلى النجف ويمضي إلى الكوفة ويدخل إلى مسجد الكوفة ويذهب إلى المحراب الذي سقط فيه جده أمير المؤمنين مخضباً بدمائه، بعد ذلك يقصد كربلاء ويخرج النداء من داخل القبر الشريف: إلى الآن يا ولدي يا آخذ الثار.
يقف الإمام ويمد يده ليستخرج عبد الله الرضيع والسهم مشكوك في نحره، يعرض الإمام المهدي هذه الظلامة للتأريخ وللدنيا وللمجتمع، ويقول لأصحابه: أصحابي ما ذنب هذا الرضيع حتى يذبح من الوريد إلى الوريد؟
إلهنا نسألك وندعوك بالزهراء وأبيها وبعلها وبنيها وفّقنا لما تحب وترضى... ادفع عنا بلاء الدنيا والآخرة.. اجعل كلمة الحق هي العليا وكلمة الباطل هي السفلى..اقض حوائج المحتاجين.. منّ على مرضى المؤمنين بالشفاء والصحة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى