منتديات الشباب العراقي والعربي
اهلا وسهلا بزوارنا الكرام لقد شرفتم منتدانا بزيارتكم , حللتم اهلا ووطأتم سهلا
اعزائي الزوار يمكنكم التسجيل لتسفيدوا من مواضيع المنتدى
فأهلا وسهلا بكم ضمن عائلة المنتدى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الشباب العراقي والعربي
اهلا وسهلا بزوارنا الكرام لقد شرفتم منتدانا بزيارتكم , حللتم اهلا ووطأتم سهلا
اعزائي الزوار يمكنكم التسجيل لتسفيدوا من مواضيع المنتدى
فأهلا وسهلا بكم ضمن عائلة المنتدى
منتديات الشباب العراقي والعربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منهج الرشاد لمن أراد السداد رسالة الأمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء الى الأمير عبدالعزيز بن سعود تأليف زعيم الأمامية في عصره الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1228هـ / 1813م حققه وقدّم له الدكتور جودت القزويني

اذهب الى الأسفل

منهج الرشاد لمن أراد السداد  رسالة الأمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء الى الأمير عبدالعزيز بن سعود  تأليف زعيم الأمامية في عصره الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1228هـ / 1813م  حققه وقدّم له الدكتور جودت القزويني     Empty منهج الرشاد لمن أراد السداد رسالة الأمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء الى الأمير عبدالعزيز بن سعود تأليف زعيم الأمامية في عصره الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1228هـ / 1813م حققه وقدّم له الدكتور جودت القزويني

مُساهمة  عابر سبيل الإثنين يوليو 25, 2011 9:11 am

تمهيد

هذه الرسالة حصيلة مراسلة بين شخصيّتين كبيرتين تمثّلتا بالشيخ جعفر كاشف الغطاء ـ زعيم الطائفة الأمامية في عصره ـ، المتوفى سنة 1228هـ / 1813م، وبين الأمير عبدالعزيز بن سعود ـ أحد قادة الحركة الوهابية في عهدها الأول ـ، المتوفى سنة 1218هـ /1803م. والسبب الذي دعا إلى تأليفها هو أنّ الأمير عبدالعزيز كتب رسالة إلى الشيخ كاشف الغطاء انتقد فيها الممارسات التي يطبقها زوار المراقد الدينية المقدسة، ـ وهي حسب العقيدة الوهابية تقارب الشرك في مقام التوحيد ـ ، المبتنية على مفردات نظرية مثل الشفاعة، والتوسل، والاستغاثة. ولمعرفة ما تنطوي عليه هذه الأوراق من مناقشة وجدل يتحتّم فهم الظروف التي كانت سائدة في منطقة الجزيرة، والتي بدأت تؤثر في المناطق المحيطة تأثيراً بالغاً وفعّالاً. فقد كانت منطقة الجزيرة العربية سياسياً واقعة تحت نفوذ السيادة العثمانية (عدا مسقط)، كما كان حال الدول الأخرى مثل العراق، وبلاد الشام، ومصر. ولم تكن سيطرة الدولة العثمانية على هذه البلدان سيطرة فعلية حيث تكتفي من الولاة بتقديم المبالغ المناسبة دليلاً لخضوع الوالي لها. وفي القرنين (الثاني عشر والثالث عشر الهجريين / الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين) بدأ النفوذ البريطاني يدخل منطقة الشرق لتأمين سلامة المواصلات التجارية بين الهند وانكلترا، ووصول بضائع شركة الهند الشرقية الانكليزية إلى موانىء الخليج. وكانت إيران تحت سلطة الأفشاريين بعد سقوط الدولة الصفوية سنة 1135هـ 1722ـ . وفي أوائل القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي أصبح نفوذ البريطانيين شبه منفرد في المنطقة لانشغال الدولتين الكبيرتين القاجارية والعثمانية بأوضاعهما الدالخلية المضطربة، والنزاعات المتكررة بينهما. ففي هذا الوسط ظهرت الدعوة الوهابية، وامتدت بتحالف تمّ عام 1157هـ/1744م بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والأمير محمد بن سعود على أن يكون صاحب السيف حارساً للدين، وناصراً للسنّة، وان يستمر الداعية على الجهر بدعوته الأصلاحية الجديدة. وقد استعت الأمارة في عهد محمد بن سعود (1) فشملت أكثر (نجد) حيث تكرّست فتوحاته على القرى المحيطة (بالدرعية)، والتي نجح في القضاء على زعاماتها المحلية ولم يبق خارجا عن قبضته سوى مدن الرياض، والأحساء، والقصيم. وقد حكم محمد بن سعود عشرين عاماً حتى وفاته سنة 1179هـ / 1765م حيث تولّى الحكم بعده ولده عبدالعزيز. أمّا ولده (المعني بهذه الرسالة) عبدالعزيز بن محمد بن سعود فقد حكم (39) عاماً وخلال هذه الفترة الزمنيّة اتسعت فتوحاته إتساعاً إمتدّ بسلطانه من شوطىء الفرات إلى رأس الخيمة، وعمان، ومن الخليج إلى أطراف الحجاز وعسير. إن العلاقة الوهابية ـ الأثنا عشرية مرّت بمرحلتين: الأولى: في حياة شيخ الوهابية محمد بن عبدالوهاب حتى وفاته عام 1206هـ / 1792م. الثانية: ما بعد رحيل الأمام محمد بن عبدالوهاب، أي (خلال مرحلة حكم الأمير عبدالعزيز بن سعود (1206هـ ـ 1218هـ). ففي المرحلة الأولى لم تشهد المدن المقدسة الشيعيّة أيّ هجوم وهابي. والسبب يعود ـ كما ذكر صاحب العبقات ـ إلى علاقة الشيخ جعفر الطيبة مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وبالرغم انّ المصادر التاريخية لم تشر إلى علاقة كهذه سوى ما ذكر في (العبقات)، فأنّ سياق الأحداث التاريخية يؤكد وجود علاقة بين الطرفين، ربّما إمتدت منذ إقامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أيام دراسته في بغداد، وبقيت حتى تولّي الشيخ كاشف الغطاء زعامة الطائفة الأمامية. أمّا المرحلة الثانية ـ والتي تبدأ بعد وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ ، فأنها إتّسمت بالحوار الدبلوماسي في سنيّها الأولى، لكنّها لم تستمّر على هذه الوتيرة بعد الغزو الوهابي لمدينة كربلاء عام 1216هـ، وإحلال الدمار والقتل فيها.
____________
(1) كانت إمارة آل سعود لا تتعدى البلدتين، أو الثلاثة في زمن أبيه سعود بن محمد بن مقرن. وقد إتسعت الفتوحات بعد تولّي محمد بن سعود الزعامة سنة 1139هـ / 1727م.

وتتجلّى أهمية هذا الحوار في المراسلات التي دارت بين الأمير عبدالعزيز بن سعود والشيخ كاشف الغطاء، حيث كتب الأمير عبدالعزيز رسالة (نقل قسماً من مضامينها كاشف الغطاء)، وردّ عليها برسالة أشبه ما تكون بالمناقشة الشاملة لما ورد من الشبهات التي أثيرت حول الفكر الأمامي، ومما لم يرد منها أيضاً. قد تميّز منهج كاشف الغطاء في رسالته بسمات، أهمّها: 1 ـ امتازت الرسالة بالموضوعية والصدق، والواقعية، وغزارة المعرفة، وقوّة الأستدلال، حيث نهج مؤلفها منهجاً عقلانياً متكاملاً ردّ فيه المنطق بالمنطق، والحجّة بالحجّة والبرهان، ممّا جعلها ـ على رغم أنّها نافت على القرنين من الزمن ـ رسالةً فتيةً ما زالت حجيتها قائمة، طريّة الأفكار، متينة المباني، عذبة المحاججة، خالية مما اعتاد عليه المؤلفون في مثل هذه الميادين من الخروج عن ذريعة العلم إلى ذرائع أخرى لا تتصل إلى نهج المعرفة بصلة. 2 ـ يبدو أنّ كاشف الغطاء كان يدرك انّ الفتوحات الجديدة تهدد أمن المنطقة بكل عام، وستصل إلى العراق لضعف السلطة الحاكمة فيه، وانشغالها بالمشاكل الداخلية وغيرها. لذلك كان حديثه في الرد حديثا حاول من خلاله إقناع عبدالعزيز بن سعود ـ بما استطاع من إمكانات ـ بالرجوع عن معتقداته الدينيّة، والتخلّي عن نظريته المذهبية الت اعتنقها وتبّناها ـ على فرض الامكان ـ ، أو احترام وجهات النظر المتغايرة ـ على فرض آخر ـ . لذلك كان خطابه إليه خطاباً يشعر أنّه خطاب صادر من سلطة دينيّة عليا إلى سلطة قتالية عليا. وبالرغم من احترامه المتزايد للأمير الفاتح إلاّ أنّ (رسالته) لم تخل من واقعيّة في التعامل مع هذا الأمير، فقد حدّثه فيها باللغة المباشرة التي يفهمها هذا الأمير العربي. وكان يعزو تبنّيه للمذهب الوهابي إلى عدم خبرته في اختيار المذهب الذي عليه أنّ يتبّناه ويناضل من أجله، بسبب ضآلة معرفته الفكرية. 3 ـ تناولت الرسالة ردّاً للشبهات التي نشرها الوهابيون، وقد رتّبها على مقدمة وفصول، مقاصد، وكان لا يملّ من تكرار كلمة ((أخي))، و((أقسم عليك)) ـ نهاية كلّ موضوع ـ بعد بيان النتيجة التي يتوصل إليها بعد إيراده جملة من الأحاديث النبويّة لعلّ ذكل يكون سببا لمراجعة المعتقد من جديد. 4 ـ إستخدم في طيّات رسالته أسلوب الموعظة، وإلفات النظر إلى أنّ النفوذ الدنيوي مهما بلغ فانّه سيؤول إلى الزوال. وقد أطنب في اختيار بعض المرويات المتعلقة بنهاية الأنسان وفنائه في الفصل الثالث، تحت عنوان: (في حياة سائر الموتى). 5 ـ نسب كاشف الغطاء نفسه في رسالته هذه إلى أنّه من تلامذة مدرسة (بغداد). وقد ذكر محمد حسين كاشف الغطاء انّ الشيخ جعفر أراد بذلك أن يظهر بمظهر أهل السنّة ليتوصل إلى أهدافه، ويقلع عبدالعزيز عما هو عليه. ولم يكن هذا الرأي موافقاً للصواب لعلم الأمير عبدالعزيز بهوية كاشف الغطاء، ومخاطبته الصريحة في رسالته التي إنتقد فيها زوار قبر الأمام علي في النجف. ويمكن الأستنتاج أنّ العلاقة التي يشير إليها صاحب (العبقات) نفسه بين الشيخ كاشف الغطاء، وابن عبدالوهاب ينكم أن تكون ممتدّة إلى أيام تتلمذ الشيخ محمد ابن عبدالوهاب على يد شيوخ الحنابلة البغداديين. فأراد كاشف الغطاء أن يظهر أمام عبدالعزيز بن سعود أنه بمنزلة شيخه الذي نهض بأعباء الدفاع عن فكره، ونشر معتقداته بالقوّة. 6 ـ لمّا كان المذهب الوهابي يعتمد على صحاح الأحاديث السنّية، فقد التزم كاشف الغطاء في نقل أحاديثه، ومناقشاته على الصحاح فقط، ولم يتطرّق إلى غيرها من كتب الحديث. كما نقل أقوال كبار علماء السنّة في بحثه، ولم يتطرّق إلى كتب الحديث الشيعيّة سوى ما نقله فقط عن كتاب الأحتجاج للشيخ الطبرسي في حديث عام يتصل بالمجادلة بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعض المناوئين له من العصر الجاهلي. 7 ـ كتبت هذه الرسالة في سنة 1210هـ / 1795م أي في حياة العلامة السيد مهدي بحر العلوم الذي توفي سنة 1212هـ / 1797م. وكانت المرجعيّة في هذه المرحلة مقسّمة بين عدد من المجتهدين، حيث تخصص بحر العلوم بالتدريس، وكاشف الغطاء بالزعامة والفتيا، والشيخ حسين نجف بالصلاة جماعة، مما يبرهن على انحصار مرجعيّة التقليد السياسية والدينيّة في شخص كاشف الغطاء دون غيره من المجتهدين الكبار من طبقته. لقد كان الشيخ كاشف الغطاء مدركاً المتغيرات السياسية، والصراع القائم بين القوى المتنازعة على الخليج فحاول أن يظهر النجف مركزاً مستقلاً عن مدار صراعات دول المنطقة، وأن يجنّب المرجعية الدينيّة العليا من الدخول في هذا الصراع. ومن هنا يمكن تفسير العلاقة الودّية التي أقامها مع شيخ الوهابية بالمكاتبة مرّة، وبتقديم الهدايا مرّة أخرى، ونجاحه في حفظ الكيان الشيعي بعيداً عن المتغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة. وبمقدار النجاح الذي حققه كاشف الغطاء مع الشيخ عبدالوهاب، فأنّه أراد أن ينحو المنحى نفسه مع وريثه الأمير عبدالعزيز بن سعود، وهو وإن نجح في تحييده قرابة العقد من الزمن إلاّ أنّ ذلك لم يمنع ابن سعود من غزو مدينة كربلاء المقدسة عام 1216هـ، ونهب (الكنوز) المودعة في حرم الأمام الحسين بن علي عليه السلام، وقتل أهالي البلدة قتلة مأساوية شنعاء. إنّ الهجوم الوهابي على (كربلاء) عام 1216هـ لم يكن مستهدفاً الشيعة بمقدار ما كان يهدف إلى إحلال الفوضى في الأمبراطورية العثمانية، وتهديد سلامتها وسرقة الخزائن التي ملأها ملوك الهند والفرس بنفائس الجواهر في النجف وكربلاء. وبعد واقعة كربلاء عام 1216هـ / 1801م أحسّ كاشف الغطاء بضرورة تحصين النجف، وتعبئة الأهالي للدفاع عنها. فتهيّأت لذلك مراكز تدريب قتالية خارج البلدة يشرف عليها كاشف الغطاء بنفسه. كما تمّ تعيين عدد من المقاتلين للحراسة، وتنظيم المجاميع الأخرى للتصدي للغزو الخارجي من وراء الأسوار (1). وقد فشلت جميع الهجمات الوهابية الخمسة التي تكررت على النجف والتي كان أعنفها الهجمة التي حدثت أواخر عام 1218هـ / 1803م حيث دافع النجفيون دفاعاً عنيفاً، ولم تستطع القوّة الغازية من اقتحام المدينة. وفي عام 1221هـ / 1806م تعرضّت النجف لغارة مفاجئة إلاّ أنّ ثقة النجفيين بممارساتهم القتالية وتحصنّهم بالأسوار والأسلحة جعلهم يتغلبون هذه المرّة على القوّة المهاجمة بسهولة. ((منهج الرشاد)) ـ النسخة الخطية وهي نسخة مكتوبة في حياة المؤلف، وقريبة لزمن التأليف كتبها العلامة الشيخ قاسم الدلبزي سنة 1210هـ / 1795م، وعليها تعليق له.
____________
(1) انتدب كاشف الغطاء الصدر الأعظم محمد حسين خان (وزير فتح علي شاه) ببناء سور محصّن للمدينة وفعلاً فقد بدأ العمل ببناءه سنة 1218هـ / 1803م، واستمرّ العمل فيه ما يقارب العقد من الزمن فأصبحت النجف بسببه بلدة محصّنة يصعب اقتحامها حيث تضمّن خندقاً عميقاً، وأبراجاً، ومراصد، ومخافر، وجعلت في طبقاته منافذ مختلفة لوضع فوهات المدافع البنادق.

وهذه النسخة ـ كما يظهر ـ مطابقة للأصل تمام المطابقة، سليمة العبارة، صحيحة وهي تتكون من (55) صفحة، كلّ صفحة تحتوي على (23) سطراً عدا الصحفة الأولى، ويتكون السطر الواحد ـ غالباً من (12) كلمة. أمّا ناسخها العلامة الدلبزي فهو من العلماء المجهولين الذين اختفى تراثهم، ويبدو أنّه من تلامذة المؤلف كاشف الغطاء، والسيد مهدي بحر العلوم، كما يظهر من بعض المخطوطات أنه كان حيّا سنة 1231 هـ / 1816م. واستظهر بعضهم أنّه مات بالطاعون سنة 1247هـ / 1831م. وولده الشيخ حسين الدلبزي المتوفى بالطاعون أيضاً سنة 1247هـ من العلماء المشهود لهم بالفضل، وغزارة العلم، والأدباء الكبار الذين احتفظت المجاميع الأدبية بنماذج من قصائدهم البليغة الجزلة. وعلى هذه النسخة (تملك) جملة من الأعلام منهم: الشيخ سليمان العاملي، والسيد صدر الدين الصدر (صهر المؤلف)، والعلامة السيد عبدالله بن محمدر ضا شبّر، والشيخ محمد رضا بن علي بن محمد جعفر الاسترابادي (وهي من مقتنيات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، برقم 3892 من تعداد الكتب الخطية). النسخة المطبوعة أمّا النسخة الثانية فهي نسخة طبعت بالمطبعة الحيدرية في النجف في شهر شعبان سنة 1342هـ / 1924م، باهتمام العلامة السيد عباس التبتي، وتقع في (82) صفحة. وعلى صفحتها الأولى كتب هذا النصّ: ((كتاب منهج الرشاد لمن أراد السداد من تأليف واحد الدهور، ونادرة العصور، أفضل الربانيين، وأعظم أساطين الدين، شيخ الطائفة الشيخ الأكبر (الشيخ جعفر النجفي) عطّر الله مرقده، صاحب كتاب كشف الغطاء، وشرح القواعد، والحقّ المبين، وغيرها من المؤلفات الشهيرة، المتوفى في رجب سنة ثمانية وعشرين بعد الألف والمائتين هجريّة. كتبه بعنوان جواب مكتوب، كتبه إليه بعض أمراء (نجد) من أبناء سعود الذين هم الدعاة إلى مذهب الوهابيّة. وهو كتاب جليل لم يكتب مثله في هذا الباب. وكان طبعه ونشره باتفاق حضرة حجّة الأسلام، ومرجع الأنام، وحيد الناس، سيدنا الأجل الحاج سيد عباس التبتي مدّ ظلّه العالي. طبعت بمطبعة (الحيدرية) في النجف الأشرف سنة 1343هـ)). وقد ذكر الطهراني أنّ منهج الرشاد هو أوّل كتاب كتب في الردّ على الوهابيّة ووصفه بأنّه حوى حقائق علمية، وحججاً دامغة. أمّا العلامة الأمين فذكر أنّ هذه الرسالة هي أول رسالة كتبت في هذا الموضوع (إلاّ أن يكون سبقها كتاب سليمان بن عبدالوهاب أخي محمد بن عبدالوهاب). وامتدح مؤلفها وقال: ((إنّها حوت كثيراً مما لم يحوه بعض ما تأخّر عنها، فهي من مفاخر ذلك العصر)).

جواب الأمير عبدالعزيز بن سعود

عند وصول الرسالة إلى الأمير عبدالعزيز بن سعود كتب إلى مؤلفها الشيخ جعفر كاشف الغطاء هذه الرسالة المختصرة، وهذا نصّها:

يصل الخط إن شاء الله إلى عبدالله جعفر راعي ((المشهد))

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

السلام التام، والتحية والأكرام، يهدى إلى سيد الأنام، محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام، ثم ينتهي إلى جناب الأجلّ الأكرم عبدالله جعفر سلّمه الله من كلّ شرّ، وأسكنه يوم القيامة جنّة المستقرّ، وأعاذه من عذاب النار الذي يحذر. أمّا بعد: فوصل كتابك، وفهمنا ما تضمّنه من خطابك، وما ذكرت أنّه بلغك عنّا من حسن الطريقة، واستقامة السيرة من الصلاة والزكاة، والصيام، والحج، وغيره ذلك من شرائط الأسلام، فالحمد لله الذي هدانا للأسلام، وجنّبنا من عبادة الأصنام، حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه، كما يحبّ ربّنا ويرضى، وكما ينبغي لكرام وجهه وعزّ جلاله.

مقدمة المؤلف

الحمد لله الذي تفرّد بالأزلية والقدم، واشتقّ نور الوجود من ظلمة العدم، وأسس قواعد الشرع على وفق المصالح والحكم، وفضّل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأمم، وأنزل القرآن فيه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات، وحذر عن اتباع الملاذ والشهوات، وأمر بالوقوف عند الشبهات، وأنذر عن متابعة الآباء والأمهات، والصلاة والسلام على من قدّمه على جميع أنبيائه، وفضّله على كافة أصفيائه، (محمد) المختار، صلى الله عليه وعلى آله، ما أظلم ليل، وأضاء نهار. أما بعد: فقد ورد ـ الى المقصر مع ربه، التائب اليه من ذنبه، الطالب من الله السداد، (جعفر) أقل طلبة أهل (بغداد) ـ كتاب كريم، مشتمل على كلماتٍ كالدر النظيم، ممن لم يزل بالمعروف آمراً، وعن المنكر ناهياً زاجراً، الآمر بعبادة المعبود، الشيخ عبدالعزيز بن سعود (1). فلما نظرته وتدبرته وتأملته وتصورته، خلوت في زاوية من الدار، وتصفحته تصفح الأنصاف والأعتبار. وقلت متهما لنفسي بالميل الى العصبية والعناد، والركون الى ما عليه الآباء والأجداد: يا نفس إعرفي قدر دنياك، واحذري شر من أغوى أباك، لقد تخليت عن نعيم الدنيا بحذافيرها، وقنعت بقليلها، ولو بقرص شعيرها، وتجنبت دار العزّة والوقار، واخترت العزلة والخمول في هذه الديار. فلو كنت في كبار البلدان، من ممالك بني (عثمان)، أو في بعض بلدان فارس وإيران لجاءت إليك الدنيا من كل جانب ومكان، ونلت من النعيم ما لم ينله إنسان، فاحذري أن تكوني مع الأعراض عن هذه النعم الفاخرة، ممن قد خسر الدنيا والآخرة. فلما شممت منها رائحة التصفية، ورأيت أن نسبة المذاهب ـ لولا الله عندها ـ على التسوية، وجهتها الى الكشف عن حقيقة الجواب عن الشبة الموردة في ذلك الكتاب،
____________
(1) عبدالعزيز محمد بن سعود (أمير آل سعود في دولتهم الأولى)، ولد سنة 1132هـ / 1720م، وولّي بعد وفاة أبيه عام 1179هـ / 1765م، وكانت عاصمة حكمه (الدّرعية) بنجد، واتسعت الفتوحات في أيامه، وأمتدّ ملكه من شواطىء الفرات الى رأس الخيمة وعمان، ومن الخليج الفارسي إلى أطراف الحجاز وعسير. اغتاله رجلّ من أهل العمادية (من ديار الجزيرة) في جامع الدرعية سنة 1218هـ / 1803م. الأعلام للزركلي: 4/27.


ورأيت أن أشرح في الحال رسالةً على وجه الأختصار، مستمداً من فيض الواحد القهار، وسميتها ((منهج الرشاد لمن أراد السداد)). فاقسم عليك ـ بمن جعلك متبوعاً بعد أن كنت تابعاً، ومطاعاً بعد أن كنت لغيرك مطيعاً سامعا، وأعزّك بعدما كنت ذليلاً، وكثر جمعك بعدما كان نزراً قليلاً ـ أن تنظر ما رسمته سطرا سطرا، وتمعن في تحقيق ما رقمته نظراً وفكراً، متوحشاً من الناس وقت النظر، متحذراً من النفس الأمارة كل الحذر، طالباً من الله كشف الحقيقة، سالكاً في المناظرة واضح الطريقة، فلعله يظهر أنه ليس بيننا نزاع، فنحمد الله على الإتفاق والأجتماع. وقد رتبتها على مقدمة، ومقاصد، وخاتمة. أما المقدمة، فتشتمل على ثلاثة فصول:

الفصل الأول في أنّ الافعال والكلمات تختلف باختلاف المقاصد والنيّات

فمن قال: يد الله، وعين الله، وجنب الله، وأراد الجوارح على نحو ما في الأجسام، او قال: إن الله على العرش استوى، أو في جهة الفوق، وأراد الحلول والاختصاص التام، أو أسند الرحمة إليه، أو الغضب، وأراد رقّة القلب، أو ثوران النفس على نحو ما يعرف بين الأنام، أو أسند الرزق الى المخلوق، أو دعاه، أو استغاث به على نحو ما يسنده الى الملك العلام، كان خارجاً عن مقالة أهل الإسلام. وأما من قصد بها معاني أخر، فليس عليه من بأس ولا ضرر. وليس هذا كصنيع المشركين، فأن الفرق ظاهر، كما سنبينه كمال التبيين، فالمستغيث بالمنسوب مستغيث بالمنسوب إليه، والمستجير بالمكان مستجير بمن سلطانه عليه. فمن أراد الأستاجرة والأستغاثة بـ (زيد) فله طريقان: أحدهما: أن يهتف بأسمه. وثانيهما: أن ينادي بصفاته، أو مكانه، أو خدمه. وثانيهما أقرب الى الأدب، وأرغب لطباع أرباب الرتب، فلا يكون المستغيث ببيت الله، أو بصفات الله، أو برسل الله، أو المقربين عند الله، إلا مستغيثاً بالله؛ فكلّما دعا مخلوقاً مقرباً عند الله، أو استغاث به قاصداً بحسن التعبير الأستغاثة باللطيف الخبير، فليس عليه بأس في ذلك، بل هو سالك في الآداب أحسن المسالك. وكذلك من أسند تلك الأشياء لمجرد الربط الصوري، لا على قصد التأثير الحقيقي، كما يقال: ((أنبت الربيع البقل))، والمنبت هو الله، و((بنى الأمير القصر))، والباني ظاهراً بناه (1). فأطلاق (السيد) و(المالك) على غير الله، ((وإضافة (العبد) و(المملوك) في الأحرار الى غير الله)) (2)، إن أريد بها الملكية الحقيقة، كان خروجاً عن الطريقة الشرعية، وإلاّ لم يكن في ذلك بأس بالكلية. ولهذا ورد في الأخبار النبوية إطلاق (السيد) على غير الله. روى أبو هريرة (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة (4). وعن أبي سعيد الخدري (5) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (6). وعن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أبوبكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة (7). وعن فاطمة عليها السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني أني سيدة نساء العالمين، رواه الترمذي (Cool. وروى أبو نعيم الحافظ، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إدعوا لي سيد العرب عليا.
____________
(1) في المطبوع: سواه. (2) لا توجد في المخطوطة. (3) أبو هريرة: عبدالرحمن بن صخر الدوسي اليماني، توفي سنة 57هـ / 677م في المدينة. (4) سنن الترمذي (كتاب المناقب) حديث 3548؛ وصحيح مسلم (كتاب الفضائل)، حديث 4223؛ ومسند أحمد (باقي مسند المكثرين)، حديث 10549؛ وسنن ابن ماجه، (كتاب الزهد)، باب 37؛ سنن الدارمي، المقدمة، باب 8. (5) أبو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري، توفي في المدينة سنة 74هـ / 693م، وهو من الصحابة، ورتبهم أسمى مراتب العدالة والتوثيق. (6) سنن الترمذي (كتاب المناقب)، حديث 3701، 3714؛ وابن ماجه (المقدمة)، حديث 115؛ ومسند أحمد (باقي مسند المكثرين)، حديث 10576، 11166، 11192، 11351. ورواه أيضاً في (باقي مسند الأنصار)، حديث 22240، 22241. (7) سنن الترمذي (كتاب المناقب)، حديث 3597، 3599. ومثله حديث 3598؛ وسنن ابن ماجه (المقدمة)، حديث 92، 97؛ ومسند أحمد بن حنبل (مسند العشرة المبشرين بالجنّة)، حديث 568. (Cool سنن الترمذي، حديث رقم 3828


وفي حلية الأولياء أنه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ مرحباً بسيد المؤمنين (1). وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال للحسن: إبني هذا سيد (2). وعن عائشة (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سار إبنته الزهراء، فقال لها: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، أو نساء المؤمنين (4). وروي ذلك عن الصحابة أيضاً، فعن جابر (5) أن عمر كان يقول: أبو بكر سيدنا، واعتق سيدنا، (يعني: بلالا)، رواه البخاري (6). وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: أتقولون هذا شيخ قريش وسيدهم (7). وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن سادات النساء أربعة: خديجة، وفاطمة، وآسية، ومريم. وعن علي عليه السلام: أنا سيد البطحاء. إلى غير ذلك مما يزيد على التواتر. فالجمع بين ذلك وبين ما روي في الكتب المعتبرة أنه جاء وفد الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله (Cool. باختلاف القصد في معنى (السيد). وكذا ما ورد من المنع من قول السيد عبدي وأمتي، فقول العبد لمولاه ربي، مع وجود ذلك في كلام يوسف (9). وكذلك الأستغاثة بغير الله، إن أريد بها الصورة، أو من باب إستغاثة العبد بقصد
____________
(1) حلية الأولياء: 1/66. (2) البخاري (كتاب المناقب)، حديث 3357، 3463. وكذلك رواه في (كتاب الصلح، حديث 2505؛ والترمذي (كتاب المناقب)، حديث 3706. (3) عائشة بنت أبي بكر التيميّة، أم المؤمنين، توفيت في المدينة سنة 58هـ / 678م. (4) صحيح البخاري (كتاب المناقب)، حديث 3353؛ وصحيح مسلم (فضائل الصحابة)، حديث 4486، 4488؛ والترمذي (كتاب المناقب)، حديث 3807؛ وسنن ابن ماجه (ما جاء في الجنائز)، حديث 1610؛ ومسند أحمد (باقي مسند الأنصار)، حديث 23343، 24829، 25210. (5) جابر بن عبدالله بن عمرو الأنصاري، صحابي، أقام في المدينة، وتوفي فيها سنة 78هـ / 697م. (6) صحيح البخاري، (باب مناقب بلال بن رياح): 4/217، حديث رقم 3471؛ وسنن الترمذي، (كتاب المناقب)، حديث 3589. (7) صحيح مسلم (باب فضائل سلمان، وصهيب، وبلال): 4/1947. (Cool سنن أبي داود (كتاب الأدب)، حديث 4172؛ ومسند أحمد (مسند المدنيين)، حديث 15717، 15726. وجاء فيه ((أنت سيد قريش، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: السيد الله)). (9) إشارة إلى قول يوسف عليه السلام: ((قال معاذ الله إنّه ربي أحسن مثواي)) ـ سورة يوسف، الآية 23 ـ وقوله أيضاً: ((فلما جاءه الرسول قال أرجع إلى ربّك فاسأله ما بال النسوة التي قطعنّ أيديهنَ)) ـ سورة يوسف، الآية 50.


المعبود، فلا بأس بها، وعلى ذلك قوله تعالى ((فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوه)) (1) وكذا قوله ((يستصرخه)) (2). وكذلك إطلاق الرب في بعض المعاني على غير الله كفر، مع أنّ الصديق يوسف عليه السلام قال ((اذكرني عند ربّك)) (3)، وكذلك طلب الرزق من غير الله على وجه الحقيقة كفر، وقال الله تعالى: ((وأرزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفاً)) (4) وقوله: ((يا أيّها العزيز مسّنا وأهلنا الضرّ)) (5)، ونحوه ((إستطعما أهلها)) (6). ومن ذلك قول القائل: لولا (فلان) لكان (كذا). فأن أراد أنه الفاعل المختار، دخل في أقسام الكفار. وإن أراد العليّة الصورية بمجرد رابطة جزئية، لم يكن عليه بأس بالكلية. ولذلك ورد عن سيد الأنام أنّه قال: لولا قومك حديثو عهد بالأسلام لهدمت الكعبة (7). وعن سفيان الثوري أنه قال: لولا هذه الدنيا لكان الملوك صعاليك. وعن عمر أنه قال لعلي عليه السلام لما أشار عليه بعدم أخذ حلي الكعبة: لولاك لافتضحنا. وعن النبي أنه قال لعلي: لولا أن تقول الناس فيك ما قالت النصارى لقلت فيك مقالاً. وورد في صحيح الأثر، عن الفاروق عمر أنه قال: ((لولا عليّ لهلك عمر)). ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، إلى غير ذلك. وكذا الحلف بغير الله إن أريد به الحلف على جهة إثبات الدعوى، كان خارجاً عن الشريعة، وإلاّ لم يكن قسماً على الحقيقة. والحديث الذي فيه: ((من حلف بغير الله، فقد أشرك)) (Cool محمول على حقيقة الحلف،
____________
(1) القرآن الكريم: 28/15 (سورة القصص). (2) القرآن الكريم: 28/18 (سورة القصص). (3) القرآن الكريم: 12/42 (سورة يوسف). (4) القرآن الكريم: 4/5 (سورة النساء). (5) القرآن الكريم: 12/ 88 (سورة يوسف). (6) القرآن الكريم: 18/77 (سورة الكهف). (7) عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا عائشة لولا أنّ قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض)). صحيح مسلم (كتاب الحج)، حديث 2370؛ والبخاري (كتاب العلم)، حديث 123. وكذلك رواه في (كتاب الحج): ـ حديث عهدهم بالجاهلية ـ . حديث 1480، 1483. (Cool سنن الترمذي (كتاب النذور والأيمان)، حديث 1455.


وسيجيء تفصيله في المقصد الخامس. وكذلك إطلاق اليد، والرجل، والقدم، وغير ذلك بالنسبة الى الله على الحقيقة، لا يوافق الطريقة من غير تأويل، لم يتوهمه سوى نزر قليل. مع أنه روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن النار لا تمتلئ حتى يضع الله رجله فيها (1). وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن النار لا تمتلئ حتى يضع الله قدمه فيها (2). ومن ذلك نسبة الضحك والعجب الى الله تعالى، فأنّ إرادة الحقيقة بعيدة عن الطريقة؛ مع أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لقد عجب الله، أو ضحك الله، عن (فلان) و(فلانة)، ونقل قصته (3). فبأختلاف المعاني إختلفت المباني، وكذلك في مسألة الأفعال، فأنها شبيهة الأقوال، فأنّ القيام للتواضع قد ورد النهي عنه. روى أبو أسامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج متكأً على عصى، فقمنا له، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم بعضهم لبعض، رواه أبو داود (4). وروى ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا يقوم الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا (5). عن أنس أنه قال : لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهيته لذلك، رواه الترمذي، وقال: هذا خبر صحيح (6). فينبغي أن ينزل المنع على قيام خاص، كأن يقوم منحنياً على نحو ما يصنع الأعاجم. وفي الخبر ما يرشد إليه اختلاف الأغراض والمقاصد. كما روي عن معاوية أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: من سرّه أن يتمثل له الرجال قياماً، فليتبوء
____________
(1) صحيح البخاري (كتاب تفسير القرآن)، حديث 4472؛ وصحيح مسلم (كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها)، حديث 5082. (2) صحيح البخاري (كتاب التوحيد)، حديث 6895؛ وصحيح الترمذي (كتاب صفة الجنّة)، حديث 2480، 2484. (3) صحيح البخاري (كتاب المناقب)، حديث 3524؛ وصحيح مسلم (كتاب الأشربة)، حديث 3829، 3830؛ وسنن الترمذي (باب تفسير القرآن)، حديث 3226. (4) سنن أبي داود (كتاب الأدب) ـ باب قيام الرجل للرجل، حديث 0325. (5) مسند أحمد: 2/17. (6) سنن الترمذي (كتاب الأدب) ـ باب كراهية قيام الرجل للرجل، حديث 2678.


مقعده من النار (1). وحديث ((ولا يقوم الرجل))، ظاهره اختصاص الجالس مجالسه، وربما ينزل ما دل على كراهته كذلك على نحو كراهته لملاذ الدنيا، وزهده في القيام كزهده في مباحاتها. فقد روى أبو سعيد الخدري أن سعداً جاء على حمار، فلما دنا من المسجد، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار: قوموا إلى سيدكم (2). وعن عائشة قالت: كنت جالسةً متربعة، فجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأردت القيام، كما هي عادتي عند دخوله، فمنعني (3). فأنّ فيه دلالة على أنّ ذلك كان معتاداً لها، ولعلّ هذا المنع كان لسبب خاص، أو كزهد الدنيا، وكسر النفس. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما قدم جعفر مبشراً بفتح خيبر، قام، فقال: ما أدري بأيّهما أنا أشد فرحاً، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر (4). وقيام الأحتمال في هذه الأخبار لا يمنع الاستناد إليها كما لا يخفى على أولي الأنظار مع ما ورد في الأخبار الكثيرة، من إستحباب تعظيم المؤمن، ويدخل في تعظيم شعائر الله على نحو ما ورد في التفاسير المعتبرة. وعن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلس معنا في المسجد يحدثنا، فإذا قام قمنا لقيامه، حتى نراه دخل بعض بيوت أزواجه. وعن واثلة (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن للمسلم لحقاً إذا رآه أخوة تزحزح له، رواه البيهقي في شعب الايمان(6).
____________
(1) سنن أبي داود (كتاب الأدب)، حديث 4552؛ وسنن الترمذي (كتاب الأدب)، حديث 2679. (2) سنن أبي داود، حديث 5216. (3) أيضاً، حديث 5217. (4) علّق العلامة الشيخ قاسم الدلبزي (ناسخ الكتاب) على هذا الموضوع بقوله: ((لقائل أن يقول: إنّ حديث (جعفر) ليس فيه دلالة على المطلوب لأنّ قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أدري أنا بأيّهما أشدّ فرحاً)) لا دلالة فيه لاحتمال أن يكون من جمعة الفرح؛ يعني ما أدري فرحي لقدوم جعفر، أو لفتح خيبر؛ لأنّ مطلوبنا القيام، وهذا لا دلالة فيه على أنّ القيام كان من النبيّ لجعفر من جمعة فرحه بفتح خير. وذلك حديث أبي هريرة، وحديث واثلة لأنّ قول الأصحاب (قمنا قياماً)، حتى قوله (دخل بيوت بعض أزواجه) لا دلالة فيه على أنّهم قائمين ـ هكذا وردت في الأصل ـ له صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا قوله في حديث واثلة: (فاذا رآه أخوه تزحزح له) لاحتمال أن يكون التزحزح، والتفسح بمعنى واحد. والمنكر لا ينكر التفسّح)). ++ (قاسم الدلبزي) == (5) واثلة بن الأسقع بن كعب، توفي سنة 83هـ/702م بدمشق عن (105) سنين. (6) سنن البيهقي، (كتاب شعب الأيمان).


ولعل هذا مبني على أن التواضع تختلف أقسامه باختلاف الأزمان، وكيف كان فالذي يظهر بعد التأمل التام إختلاف الأقوال والأفعال باختلاف المقاصد. ومن ذلك إختلاف أحوال الزهّاد، فبعض ترك المآكل والملابس الحسان، واقتصر على الجشب والخشن، وبعضهم يأكل من أطيب المأكول، ويلبس من أنعم الملبوس. وباعتبار اختلاف النيات دخل (العملان) في قسم العبادات. ثم إنّ الأفعال المختلفة بعضها لا ينسب الى غير الله، كأيجاد الكائنات، وصنع المصنوعات. وبعضها لا ينسب الى الله، كأفعال القبائح والمنفّرات، وبعضها تختلف معانيها ومقاصدها، فتنسب الى الخالق مرة، والمخلوق أخرى. وهذا الحكم متمشٍ على قول من لم يثبت فاعلاً سوى الله، وعلى قول من أثبت. والمعيار أنه متى قام إحتمال إرادة وجه صحيح بني عليه، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إدرؤا الحدود بالشبهات))، ((ولا تقل في الناس إلاّ خيراً)). وما دلّ على النهي عن سوء الظن، فكيف بالشك. وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إدرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم (1). فالناس إذن في صدور أمثال هذه الأمور عنهم على أنحاء: بين علماء عاملين، مقاصدهم صحيحة، فلا يتعمدون بالأقوال والأفعال، إلا الوجوه السليمة من القيل والقال. وبين أعوام جهال بنوا على ما بنى عليه علماؤهم على الإجمال، وليس لهم قابلية التفتيش على حقيقة الحال، فهم أيضاً معذورون عند ربّ العزة والجلال. وبين من بنوا على طريق الضلال، وعليهم المؤاخذة بضروب النكال. والتحقيق أنّ تبدل الأحكام بتبدل الموضوعات، ليس من باب التشريع والإبداع، مثلاً يستحل للنساء التزين لرجالهن، فمنذ كان لبس السواد زينة إستحب، فإذا انعكس وصار الميل إلى الأحمر والأصفر إنعكس الخطاب. وألوان اللباس تختلف باختلاف الناس، ففي كل بلاد يستحب لون ونوع، فإنه قد يكون في مكان لباس شهرة، وفي آخر بعكسه، وفي موضع من لباس النساء، وفي موضع بعكسه. وكذا كانت رغبة الناس في طيب الكافور، فكرهه اليوم.
____________
(1) المستدرك للحاكم: 1/384.


وكذلك إكرام الضيف بالمآكل، وكذا المراكب، فيختلف الحال باختلاف الأحوال. وكذا طريق التواضع، وتعلية البناء، ولباس الزهد. والزهد في المأكول يختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والمقاصد، وعلى ذلك مبنى كثير من إختلاف الأخبار. وكذا يستحب التأهب لجهاد الكفار بأحسن السلاح، وكان أطيبها السيوف والرماح، وصار الأحسن في هذه الأيام (التفك) (1) المعروف بين الأنام. وكذا الوصول الى بعض الأرضين لا يستحب، حتى تجعل مقبرة للمسلمين. فاختلاف الأزمنة والأمكنة والجهات، قد يبعث على اختلاف الأحكام، لأختلاف الموضوعات، وربما بني على ذلك إختلاف كثير من الأخبار، وطريقة المسلمين على اختلاف الأعصار. وفقنا الله وإياكم لسولك الجادة المستقيمة، والأخذ بالطريقة السليمة، وردني الله إليك إن كنت أنت على الحق، وردّك إليّ إن كان الحقّ معي، ومع أكثر الخلق.
عابر سبيل
عابر سبيل
المدير العام للمنتديات
المدير العام للمنتديات

ذكر السرطان عدد المساهمات : 672
النقاط : 1979
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 27/05/2011
الموقع : المدير العام

https://iraq-arabgroup.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» منهج الرشاد لمن أراد السداد رسالة الأمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء الى الأمير عبدالعزيز بن سعود تأليف زعيم الأمامية في عصره الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1228هـ / 1813م حققه وقدّم له الدكتور جودت القزويني (الجزء الثاني )
» منهج الرشاد لمن أراد السداد رسالة الأمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء الى الأمير عبدالعزيز بن سعود تأليف زعيم الأمامية في عصره الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1228هـ / 1813م حققه وقدّم له الدكتور جودت القزويني (الجزء الثالث)
» حدث مع الدكتور الشيخ المرحوم احمد الوائلي اعلى الله مقامه
» كل ماتحتاج معرفته عن امير المؤمنين عليه السلام (كتاب الانوار العلويه ) للعلامه الشيخ جعفر النقدي رحمه الله
» أراد أن يسحر البنت فسحر الحمار

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى